أكلات غريبة من الحيوانات والطيور والأسماك في مصر القديمة

حين نتأمل نقوش المقابر في سقارة وبني حسن، ونفكر في حياة المصري القديم، نعتقد أنها كانت بسيطة ومحدودة الموارد، لكن الحقيقة أن مائدة الفراعنة كانت ثرية، متجددة، ومليئة بالأسرار. لم يكن الطعام وسيلة للبقاء فقط، بل كان امتدادًا للعقيدة والهوية والثقافة.
لم يكن المصري القديم يأكل لمجرد الشبع، بل كان يأكل كما يُصلي، كما يُمارس طقوسه… بتأنٍ وشغف. امتدت أطباقهم لتشمل أنواعًا غريبة من الأسماك والزواحف والطيور البرية، بل وحتى بعض الحشرات، في تناغم مدهش بين العلم والدين والبيئة.

فهل تعلم أنهم جربوا أكل الضفادع؟ وهل توقعت أن التماسيح الصغيرة كانت ضمن طقوسهم الغذائية؟
دعنا نغوص في عالم لا يشبه موائد اليوم، حيث الغريب كان طبيعيًا، والمقدّس كان يؤكل أحيانًا.


أولًا: أطباق من الطيور المهاجرة والبرية

  • كان المصريون القدماء يصطادون الأوز البري (gēnṭ) والحَبَارَى واللقلق، ويقومون بشيه أو طهيه مع التوابل والزيوت.
  • في بعض النقوش بمقابر “بني حسن” و”البرشا”، يظهر طقس التحنيط للطيور قبل طهوها، ربما لتكريمها أولًا قبل أكلها!
  • وهناك إشارات إلى تناول صغار النعام، التي كانت تُربى أحيانًا في حظائر مغلقة داخل القصور.

ثانيًا: أسماك غريبة وطرق طهي مبتكرة

  • كان يتم اصطياد أنواع غير شائعة من الأسماك مثل البياض النيلي والكلب النيلي، بل والأنقليس (سمك الثعبان).
  • ومن الطرق العجيبة التي وردت في بردية “إيبرس الطبية”، تجفيف سمك البلطي وطحنه كتوابل أو علاج!
  • وهناك شواهد على تخمير الأسماك في آنية طينية، في أسلوب يشبه ما نعرفه اليوم باسم “الفسيخ” أو “السمك المخمر”، وقد يكون أقدم نسخة منه.

ثالثًا: أطباق من الزواحف والحيوانات البرية

  • ربما الأغرب هو ما ذكرته بعض البرديات عن تناول لحوم التماسيح الصغيرة، خصوصًا في منطقة الفيوم، حيث كانت تكثر المعابد المخصصة للإله “سوبك”.
  • كما أشار المؤرخ الإغريقي “هيرودوت” أن المصريين كانوا “يقدسون بعض الحيوانات لكنهم يأكلون غيرها في طقوس خاصة”.
  • في الجنوب، تشير بعض الحفريات إلى وجود بقايا طهي الحرباء والضب في بعض التجمعات السكنية النوبية، مما يدل على استهلاك زواحف في مواسم المجاعة.

رابعًا: الجِمال والخنازير… وما لم يكن شائعًا

  • لم يكن الجمل من الحيوانات المأكولة في العصر الفرعوني المبكر، إذ لم يُستخدم إلا في العصور المتأخرة. بينما الخنزير كان يُؤكل في بعض الأقاليم الريفية، لكنه كان محظورًا في الطقوس الدينية وربما اعتُبر حيوانًا “دنسًا” في مناطق عدة.
  • أما الكلاب والقطط، فكانت تُحنّط وتحظى بمكانة روحية، ولم ترد دلائل على استهلاكها كطعام.

خامسًا: بين المقدّس والملفوظ

  • ما يعتبره البعض “أكلة غريبة” اليوم، ربما كان في مصر القديمة له طابع ديني أو سحري.
  • مثال: لحم الضفادع الذي ورد في بعض الوصفات الطبية لعلاج العقم!
  • كذلك لحاء السلحفاة المطحون مع دم الطيور كمشروب مقوٍّ للجسد (بردية إيبرس، السطر 233).

المطبخ الفرعوني لم يكن بسيطًا كما يُعتقد. فالمصريون القدماء لم يتعاملوا مع الغذاء باعتباره وسيلة للبقاء فقط، بل كان جزءًا من الحياة الروحية والعلمية والطبية. وقد عرفوا فنون الطهي والتخزين والتخمير، وابتكروا طرقًا حافظت على مذاق أطعمتهم لآلاف السنين.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى