هل تستطيع الأبقار التنبؤ بالطقس؟

في قلب المزارع الهادئة، حيث يمتزج صوت الرياح مع خوار الأبقار، لاحظ الفلاحون منذ مئات السنين ظاهرة غريبة: الأبقار تستلقي على الأرض قبل أن تتساقط أولى قطرات المطر.
هل هي مجرد مصادفة؟ أم أن هذه المخلوقات الضخمة تملك حاسة خفية ترصد بها تقلبات الطبيعة؟
بين الخرافة والحقيقة العلمية، تثير هذه الظاهرة فضول الكثيرين. بعضهم يعتقد أن للأبقار قدرة سحرية على التنبؤ بالطقس، بينما يرى آخرون أن تفسير هذا السلوك يعود إلى غرائز بيولوجية دقيقة مرتبطة بتغيرات بيئية خفية. فهل تمتلك الأبقار “رادارًا داخليًا” يحذرها من قدوم المطر؟ أم أن الأمر أبسط من ذلك؟
لنغص معًا في تفاصيل هذا السلوك الغامض، ونكشف كيف يترجم العلم الحديث هذه الظاهرة الطبيعية!
السلوك الملاحظ: استلقاء الأبقار قبل المطر
لطالما ربط المزارعون بين رؤية الأبقار وهي تستلقي جماعيًا على العشب وبين توقع هطول الأمطار.
ويُقال إن الأبقار تفضل الأرض الجافة للاستراحة، وعندما تشعر بتغيرات في الجو تنذر بالمطر، تسارع بالجلوس قبل أن تصبح الأرض مبتلة.
ولكن هل هذا السلوك غريزي أم مكتسب؟ وهل هناك أساس علمي يدعم هذه الملاحظة المتوارثة عبر الأجيال؟
التفسير العلمي: بين الضغط الجوي والاستجابة السلوكية
وفقًا لعالم البيولوجيا ديفيد راندل في كتابه Behavioral Adaptations in Livestock (2011)، فإن:
“استلقاء الأبقار قد يرتبط بتغيرات الضغط الجوي، وهو مؤشر بيئي يلاحظ في سلوكها اليومي.”
التغيرات في الضغط الجوي، خاصة الانخفاض الذي يسبق العواصف أو الأمطار، تؤثر على العديد من الكائنات الحية.
الأبقار، بحكم حواسها الدقيقة، قد تشعر بهذه التغيرات قبل أن تصبح ملحوظة للبشر.
عندما ينخفض الضغط الجوي، يصبح الهواء أكثر رطوبة، ما يجعل بيئة الوقوف أقل راحة بالنسبة للأبقار، لذلك تفضل الاستلقاء مبكرًا لتقليل تعرضها لهذه الأجواء الرطبة وغير المريحة.
الأدلة البحثية الحديثة
دراسة نشرت في مجلة Animal Behavior Science (2014) دعمت هذه الفرضية، إذ وجدت أن:
“الأبقار تستجيب لتغيرات الطقس بطرق متعددة، منها تقليل النشاط والاستلقاء لتوفير الطاقة.”
أي أن استلقاء الأبقار لا يرتبط فقط بالمطر بل أيضًا بمحاولة الحفاظ على الطاقة عندما تتوقع تغيرًا وشيكًا في الظروف البيئية.
وهذا السلوك الوقائي يعزز فرص البقاء على قيد الحياة، خاصةً في البيئات البرية حيث التغير المفاجئ في الطقس قد يشكل خطرًا على صحة الحيوان.
ما الذي يجعل الأبقار “تحس” بالطقس؟
الأبقار تمتلك قدرات حسية مدهشة، منها:
- حاسة الشم الدقيقة: يمكنها أن تكتشف التغير في رائحة الهواء مع ارتفاع نسبة الرطوبة.
- الإحساس بالضغط الجوي: التغيرات الطفيفة في الضغط تؤثر على مفاصلها وأجسادها، مما يحفزها على تغيير سلوكها.
- الإحساس بالكهرباء الساكنة: بعض الدراسات تقترح أن الحيوانات قادرة على الإحساس بالشحنات الكهربائية الناتجة عن تغيرات الجو قبل العواصف.

في هذا السياق، كتب “مارك هاريس” في مقاله بمجلة Farmers’ Almanac (2016):
“لا يمكن للأبقار التنبؤ بالمطر بشكل مباشر، لكنها حساسة للتغيرات الجوية التي تسبق الظواهر الطبيعية.”
هل الأبقار وحدها القادرة على ذلك؟
ليست الأبقار فقط من تظهر تغييرات سلوكية مرتبطة بالطقس.
دراسات عديدة لاحظت أن الحيوانات الأخرى مثل الخيول، الكلاب، وحتى الطيور، تغير سلوكها أيضًا قبل العواصف.
ولكن تميز الأبقار يعود إلى وضوح سلوكها، إذ أن استلقاءها الجماعي على الأرض قبل المطر مشهد يصعب تجاهله.
الخرافات والمبالغات
رغم وجود تفسير علمي مقبول، إلا أن بعض القصص الريفية تضفي طابعًا مبالغًا على قدرات الأبقار.
فبعض الحكايات تدعي أن الأبقار تستطيع تحديد شدة المطر أو توقيت هطوله بالدقيقة، وهو ما لا يوجد له أساس علمي دقيق حتى الآن.
بالتالي، من المهم التفريق بين السلوك الغريزي الطبيعي المبني على مؤشرات بيئية، وبين التوقعات الخارقة للعادة.
الخلاصة: الأبقار كمؤشرات طبيعية للتغيرات الجوية
يمكننا القول إن الأبقار لا تتنبأ بالطقس بطريقة واعية، لكنها تستجيب لحوافز طبيعية دقيقة مرتبطة بتغيرات الضغط الجوي والرطوبة والجو العام.
سلوكها البسيط هذا يقدم لنا تلميحات ثمينة عن البيئة المحيطة، وهو مثال رائع على كيفية اندماج الحيوانات مع الطبيعة بطرق مذهلة.
في المستقبل، قد يكشف العلم المزيد عن هذه الروابط الدقيقة بين سلوك الحيوان والطقس، ولكن حتى ذلك الحين، لا بأس أن نلقي نظرة على قطيع الأبقار في المزرعة قبل أن نقرر حمل المظلة!