هل تستطيع الأسماك تكوين أسرة ورعاية صغارها؟ بين الحقائق العلمية والمشاعر الأبوية

عندما نفكر في العائلة ورعاية الصغار، يتبادر إلى ذهننا الطيور التي تطعم فراخها، أو الأسود التي تدافع عن أشبالها. لكن هل تساءلت يومًا: هل الأسماك أيضًا “تكوّن أسرة”؟ هل لديها مشاعر أبوية أو أمومة؟ وهل تقوم برعاية صغارها كما تفعل الحيوانات الأليفة؟

هذا السؤال يجمع بين العلم والسلوك الحيواني ويكشف أسرار عالم البحار الذي قد لا نتوقعه: في أعماق المحيطات والأنهار، هناك أسماك تحمي بيضها وصغارها، بل وتبدي سلوكيات تضحية مذهلة. وفي المقابل، هناك أنواع أخرى تتخلى عن بيضها منذ اللحظة الأولى! لنغص معًا في التفاصيل.


هل الأسماك تكوّن أسرة؟

الأسماك هي واحدة من أكثر الفقاريات تنوعًا على الأرض، إذ يبلغ عدد أنواعها المعروفة أكثر من 34,000 نوع. ومع هذا التنوع، نجد أن “تكوين الأسرة” بالمعنى البشري، أي رابطة طويلة الأمد بين ذكر وأنثى وصغارهم، نادر جدًا في الأسماك.
معظم أنواع الأسماك لا تُظهر أحاسيس اجتماعية أو ترابطية تدوم بين الذكور والإناث، ولا يعيش الوالدان معًا لفترات طويلة بعد التزاوج. بل إن التزاوج غالبًا ما يكون موسميًا، وينتهي بمجرد وضع البيض.

لكن، هناك استثناءات مثيرة:

الأسماك الأحادية الزواج (Monogamy):

  • أظهرت دراسات أن بعض الأنواع تعيش في أزواج دائمة وتبني “أسرة”.
  • مثلًا:
    • سمكة الفراشة (Chaetodon): تعيش في أزواج تدافع معًا عن الإقليم الغذائي وتحافظ على شريك واحد مدى الحياة.
    • سمكة الأنجل الفرنسية (Pomacanthus paru): تظهر ولاءً كبيرًا لشريكها وتقوم الأنثى والذكر بحراسة العش معًا.
  • دراسة في Proceedings of the Royal Society B (2009) أوضحت أن هذه الأسماك تظهر سلوكيات تشبه الزواج الأحادي وتعايش الأزواج.
  • سمكة الراي اللاسع وسمك البحر الكاريبي الأزرق أظهرا سلوكيات تعاونية بين الذكور والإناث لفترات محدودة.

رعاية الصغار: هل يربّي السمك أبناءه؟

الرعاية الأبوية للصغار موجودة في عالم الأسماك، لكنها تختلف تمامًا عن مفهوم الرعاية لدى الثدييات أو الطيور.

أمثلة على رعاية الصغار:

1️⃣ رعاية البيض:

  • معظم الأسماك، كالبلطي (Tilapia)، والسمك الذهبي (Goldfish) والعديد من أسماك الشعاب المرجانية، تقوم الأنثى أو الذكر بحراسة البيض ضد المفترسين.
  • بعض الأسماك، مثل البلطي، تحمل بيضها وصغارها في فمها (mouthbrooding) حتى يفقس، مما يحميهم تمامًا.

2️⃣ حراسة الصغار:

  • بعد الفقس، يستمر بعض الآباء في رعاية الصغار لبضعة أيام أو أسابيع.
  • سمكة القرش النمر تلد صغارًا أحياءً وتتركهم فورًا دون رعاية.

3️⃣ تربية صغار الآخرين:

  • الأسماك لا “تتبنى” أو ترعى صغار غيرها بوعي كما تفعل بعض الثدييات. هناك حالات نادرة فقط مثل تقبّل صغار إضافيين في الفم عند سمك البلطي، لكن ذلك تفسيره دفاعي (الخوف من الافتراس) وليس عاطفيًا.
How helicopter parenting protects baby reef fish

هل للأسماك مشاعر؟

الأسماك لا تعبر عن الفرح والحزن كما نفعل نحن، لكنها تستجيب للمحفزات البيئية والاجتماعية بطرق تدل على “انزعاج” أو “راحة”. مثلًا:

  • تصبح أسماك السيكلد أكثر نشاطًا وحيوية عندما تبقى مع شركائها وصغارها.
  • تظهر أسماك الزرد (Danio rerio) سلوكيات كآبة عند العزلة، تعود إلى طبيعتها في وجود مجموعتها.

الفرق بين الأسماك والحيوانات الأليفة في المشاعر:

  • الأسماك تعتمد على الغرائز، وليس على “مشاعر” بالمعنى البشري.
  • الدراسات (مثل بحث على البلطي النيلي في مجلة Animal Behaviour, 2017) أثبتت أن سلوك الرعاية مرتبط بالهرمونات الفطرية والبرمجة الجينية، وينتهي بانتهاء دورة النمو.
  • لا يوجد دليل علمي على أن الأسماك تشعر بالحزن أو الفرح عند فقدان الصغار كما تفعل الثدييات.

الخلاصة:

✅ الأسماك لا “تكوّن أسرة” بالمعنى المعروف عند البشر أو الثدييات.
✅ بعض الأنواع تظهر ارتباطًا قصير الأمد بين الذكر والأنثى في موسم التزاوج.
✅ كثير من الأسماك تقدم رعاية مؤقتة لصغارها، غالبًا حتى يصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم.
✅ “تربية صغار الآخرين” أو “مشاعر أسرية” عاطفية كما نعرفها غير موجودة علميًا لدى الأسماك.


المصدر
The business standard : A tribute to the astounding fish parents The University of queenland : How helicopter parenting protects baby reef fish

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى