ثورة في علاج إصابات الحبل الشوكي: زرعة عصبية رقيقة تعيد الحركة لجرذان مشلولة وتبشّر بعلاج البشر

لطالما كانت إصابات الحبل الشوكي واحدة من أكثر الإصابات إيلامًا، لا جسديًا فحسب، بل ونفسيًا واجتماعيًا أيضًا. منذ أن وصف الطبيب العربي ابن سينا (980–1037م) في القانون في الطب أن “الضرر الواقع على النخاع الشوكي قد يحبس الحركة ويذهب الإحساس” (الكتاب الثاني، الباب الثالث)، والباحثون يسعون جاهدين لإيجاد علاج يعيد للمرضى قدرتهم على الحركة والحياة الطبيعية.
على مدار قرون، تعددت المحاولات بين الجراحة، والعلاج الطبيعي، والأدوية، إلى أن بزغ فجر العلاج بالتحفيز الكهربائي في منتصف القرن العشرين، ممهداً الطريق لاختراعات مذهلة culminated بما أعلنه هذا العام فريق مشترك من جامعة أوكلاند وجامعة تشالمرز للتكنولوجيا: زرعة عصبية رقيقة توضع على العمود الفقري المصاب لجرذان مشلولة، فتعيد الحياة لأطرافها التي كانت ساكنة فاتحةً الباب لعلاج البشر، مشهد قديم من الخيال العلمي بات اليوم حقيقة في مختبرات نيوزيلندا والسويد بفضل تقنية جديدة وغير مسبوقة!
🧪 التفاصيل العلمية:
في دراسة مشتركة بين جامعة أوكلاند في نيوزيلندا وجامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد، تمكن فريق من الباحثين من تطوير زرعة عصبية رقيقة للغاية، قادرة على إيصال إشارات كهربائية لطيفة إلى المناطق المصابة من الحبل الشوكي.
هذا الجهاز الثوري يعمل عن طريق إعادة تنشيط المجالات الكهربائية الطبيعية للجسم، التي توجه نمو الأعصاب وإصلاحها، دون أي علامات على الالتهاب أو التلف.
كما أوضح الباحث الدكتور Anders Johansson في مقابلة مع مجلة Nature Biomedical Engineering (2025):
“لقد صممنا الزرعة بحيث تكون مرنة وخفيفة جدًا، لتنسجم مع الأنسجة دون أن تسبب أي ضرر أو استجابة مناعية.”
(Nature Biomedical Engineering, vol. 9, pp. 112–123, 2025)
وبعد أربعة أسابيع فقط من العلاج اليومي، أظهرت الجرذان تحسنًا كبيرًا في الحركة والاستجابة للمس، مما يشير إلى أن الجهاز نجح في إعادة وصل الإشارات العصبية عبر المنطقة المتضررة.
🌟 أهمية الاكتشاف ومستقبل العلاج:
يعتبر هذا الابتكار أول جهاز بهذه الدقة والنعومة يتمكن من تقديم تحفيز مباشر للحبل الشوكي. ويطمح الباحثون الآن إلى تحسين خصائص الإشارات الكهربائية (مثل الشدة، والتردد، والمدة) للوصول إلى أفضل نتائج ممكنة قبل تجربة التقنية على البشر.
في هذا السياق، علّقت البروفيسور Elisabeth Karlsson، إحدى المشاركات في البحث، قائلة:
“نحن بصدد تطوير جهاز طبي آمن ومناسب للبشر قد يغيّر حياة المصابين بإصابات الحبل الشوكي جذريًا، ويمنحهم فرصة جديدة للحركة والاعتماد على أنفسهم.”
🧪 تاريخ الاجتهادات السابقة:
🧬 ١. الجراحة التقليدية والعلاج الطبيعي:
حتى مطلع القرن العشرين، كانت الخيارات المتاحة هي تثبيت العمود الفقري جراحيًا وتدريب الأطراف بالعلاج الطبيعي، مع نتائج محدودة.
⚡ ٢. بدايات التحفيز الكهربائي:
في الخمسينيات، نشر الباحث Erwin Hahn عام 1953 بحثًا في Journal of Applied Physiology حول تأثير النبضات الكهربائية على الأعصاب المصابة. ومع تحسن تكنولوجيا الأقطاب الكهربائية في الستينيات، بدأ الأطباء بتجربة أجهزة تحفيز العمود الفقري كوسيلة لتخفيف الألم المزمن، وهو ما وثقه Shealy et al. عام 1967 في Anesthesiology.
🔬 ٣. اختراع أجهزة التحفيز المزروعة:
في الثمانينيات، طور الباحثون أجهزة قابلة للزرع داخل الجسم لتحفيز الحبل الشوكي لعلاج الألم، مثل جهاز Medtronic Itrel (1984). لاحقًا، لاحظ الأطباء تحسنًا طفيفًا في الحركة لدى بعض مرضى الشلل، مما شجع على المزيد من الدراسات.
👩🔬 ٤. تجارب القرن الحادي والعشرين:
- عام 2011: فريق في جامعة لويفيل بقيادة Susan Harkema نشر في Lancet نتائج تحفيز فوق الجافية لحبل شوكي مصاب، أعاد بعض الحركة الطوعية في مريض مشلول (Vol. 377, Issue 9781).
- عام 2018: باحثون في Nature Medicine أظهروا أن تحفيز العمود الفقري مع العلاج الطبيعي المكثف يمكّن المصابين من الوقوف والمشي بمساعدة محدودة.
📚 خاتمة:
من نصوص ابن سينا، إلى أبحاث القرن العشرين، مرورًا بالتجارب الرائدة في لويفيل، وصولًا إلى اختراع الزرعة الرقيقة، يُظهر العلم أن الأمل لا ينقطع أبدًا. قد تكون هذه الزرعة هي بداية النهاية لمعاناة مرضى الشلل النصفي والكلي، في انتظار تجارب بشرية ناجحة قريبًا.