النيوكاسل في الطيور: العدو الخفي في المزارع والعنابر

تخيل أن تستيقظ ذات صباح لتجد دجاجاتك تصدر أصواتًا غريبة، بعضها يسعل، وبعضها الآخر يتمايل وكأن توازنه اختل. تقترب فتلاحظ أعينًا دامعة، وريشًا منفوشًا، وطائرًا يلفّ رأسه نحو الخلف بطريقة مرعبة. تلك ليست مشاهد من فيلم رعب… بل علامات على غزو صامت يعرف باسم “النيوكاسل”.
مرض النيوكاسل من أكثر الأمراض فتكًا وشيوعًا في عالم الطيور، خاصة الدواجن. وهو واحد من الأسباب الرئيسية للخسائر الاقتصادية في صناعة الدواجن حول العالم. الأخطر أنه لا يميز بين كبير وصغير، ولا يرحم إناثًا ولا ذكورًا. يُلقبه البعض بـ”طاعون الدواجن”، ويختلط على المربين تشخيصه فيسمونه “الفرّه” بسبب أعراضه العصبية المخيفة.
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة لفهم هذا العدو: ما هو؟ كيف ينتشر؟ وكيف تحمي طيورك منه؟
ما هو مرض النيوكاسل؟
النيوكاسل (Newcastle Disease) هو مرض فيروسي شديد العدوى يصيب أنواعًا متعددة من الطيور، وعلى رأسها الدجاج. يسببه فيروس يُعرف باسم Paramyxovirus type 1، وهو من الفيروسات السريعة الانتشار.
أنواع النيوكاسل حسب شدة الإصابة:
- النمط العنيف (Velogenic): يسبب نفوقًا عاليًا (قد يصل إلى 100%) ويشمل أعراضًا تنفسية وعصبية وهضمية.
- النمط المتوسط (Mesogenic): أعراض تنفسية خفيفة ونسبة نفوق أقل.
- النمط الضعيف (Lentogenic): لا يسبب أعراضًا قوية، ويستخدم غالبًا كلقاح حي.
طرق انتشار المرض:
- الاتصال المباشر بين الطيور المصابة والسليمة.
- العلف والماء الملوث.
- الأدوات والأيدي الملوثة.
- الطيور البرية والحمام.
- من خلال الهواء في المناطق المزدحمة.
الأعراض المميزة للنيوكاسل:
أولًا: الأعراض التنفسية
- سعال، عطس.
- أصوات تنفسية غير طبيعية.
- إفرازات من الأنف.
ثانيًا: الأعراض الهضمية
- إسهال أخضر مائي.
- فقدان شهية شديد.
ثالثًا: الأعراض العصبية (غالبًا ما يُطلق عليها “الفرّه”)
- التواء الرقبة (لفّ الرأس).
- شلل في الأجنحة أو الأرجل.
- دوران في المكان.
- ارتعاشات عضلية.
رابعًا: الأعراض الإنتاجية
- انخفاض مفاجئ في إنتاج البيض.
- بيض ذو قشرة رقيقة أو مشوهة.

كيف يتم التشخيص؟
- العلامات السريرية: تعتمد على الملاحظة الدقيقة للأعراض.
- التحاليل المعملية: مثل اختبار العزل الفيروسي، وELISA.
- التشريح المرضي: وجود نزيف في القصبة الهوائية، الأعورين، بطانة المعدة.
العلاج: هل يوجد دواء؟
لا يوجد علاج مباشر للفيروس، لكن يمكن:
- إعطاء مضادات حيوية لمنع العدوى الثانوية.
- دعم الطائر بمحاليل مغذية وفيتامينات.
- عزل الطيور المصابة فورًا.
الوقاية والتحصين:
- التحصين الدوري باللقاحات المناسبة (هتشنر، لاسوتا، كوماروف…).
- التطهير اليومي للأدوات والماء والعنابر.
- منع دخول الزوار والحد من حركة العاملين.
- التخلص الآمن من النافق وعدم رميه في العراء.
- حظر اختلاط الدواجن بالطيور البرية أو الحمام.

هل ينتقل إلى الإنسان؟
نعم، لكن بشكل محدود. قد يصيب الإنسان بالتهاب خفيف في ملتحمة العين، ويُعد غير خطير، لكنه مؤشر مهم لوجود المرض في الطيور.
مرض النيوكاسل ليس مجرد تحدٍ في تربية الدواجن، بل اختبار حقيقي لمهارة المربي في الوقاية والتحصين والتعامل مع الأزمات. إدراكك لأعراضه وتمييزك له عن غيره من الأمراض، سيمنحك القدرة على حماية قطيعك ونجاح مشروعك.
فالتربية الناجحة لا تعني فقط تقديم العلف والماء، بل تعني فهم لغة الطائر… وإنذارات جسده.