شرعية قتل الكلب المسعور والكلب العقور: بين الرحمة وحفظ النفس

جعل الله تعالى حفظ النفس البشرية من أعظم المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، فقال سبحانه:
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
وفي ذات الوقت، أمرنا بالرحمة بكل مخلوق حي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“في كل كبد رطبة أجر” (رواه البخاري ومسلم).

لكن الإسلام دين حكمة واعتدال، فإذا تزاحم حق الحيوان في الرحمة مع حق الإنسان في الحياة والسلامة، قدّم حفظ الإنسان، حتى لو أدى ذلك إلى إزهاق روح الحيوان المؤذي. وهذا مبدأ شرعي أصيل مدعوم بالنصوص الشرعية.


مشروعية قتل الكلب المسعور والكلب العقور

الكلب العقور هو الحيوان الذي يعتدي ويؤذي الآخرين دون سبب بالعض ولو نقل الأمراض القاتلة مثل السعار يسمى المسعور، والسعار هو من الأمراض التي تودي بحياة الإنسان إذا لم يعالج فور العض من كلب مصاب. ولذا جاءت الشريعة بجواز قتله درءًا للضرر.

أدلة من السنة النبوية:

  • قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    “خمس من الدواب كلها فواسق يُقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور”
    (رواه البخاري ومسلم).

ومعنى “العقور”: أي الذي يعتدي بالأذى على الناس أو يهددهم، سواء بالعض أو العدوان أو نشر الخوف والأمراض.

  • روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    “لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم”.

🔹 تفسير العلماء لهذه الأحاديث يؤكد أن قتل الكلب العقور والمسعور جائز، بل قد يكون واجبًا إذا كان في تركه خطر على الناس.


القواعد الشرعية التي تدعم ذلك

  • قاعدة دفع الضرر:
    الإسلام يأمر بدفع الضرر، حتى لو اقتضى ذلك إتلاف النفس المؤذية. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    “لا ضرر ولا ضرار” (حديث صحيح رواه مالك في الموطأ وغيره).
  • قاعدة الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف:
    أي أن ارتكاب ضرر بسيط (مثل قتل الحيوان المؤذي) أولى من بقاء ضرر عظيم (مثل فناء نفس بشرية أو جماعة).
  • تقديم حفظ النفس على غيرها من المصالح:
    حفظ النفس مقدم في الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها: الدين، النفس، العقل، المال، النسل.

الرحمة بالحيوان أصلٌ ثابت

رغم ما سبق، فإن الأصل في التعامل مع الحيوانات هو الرحمة والإحسان. يقول الله تعالى:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله كتب الإحسان على كل شيء” (رواه مسلم).

وحتى عند القتل للضرورة، يأمر الإسلام بالرفق، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“إذا قتلتم فأحسنوا القتلة” (رواه مسلم).

لذلك، قتل الكلب المسعور و الكلب العقور يجب أن يتم بطريقة رحيمة لا تسبب له تعذيبًا ولا معاناة لا ضرورة لها.


هل سلامة الإنسان أغلى من الحيوان؟

نعم، في ميزان الشريعة، النفس الإنسانية مكرمة عند الله أكثر من أي مخلوق آخر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حرمة دم المسلم:
“لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم” (رواه النسائي وابن ماجه).

ولو تأملنا هذا الحديث، لعلمنا أن حماية الإنسان مقدمة على حماية الكائنات الأخرى، حتى لو كانت عظيمة القدر، بل وحتى لو كانت الكعبة نفسها، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:
“لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم”.

فإذا كان هدم الكعبة، وهي قبلة المسلمين وأقدس موضع لهم، أهون من قتل النفس البشرية، فكيف نُفرط في حماية الإنسان من خطر حيوان عقور؟


الخلاصة

  • الأصل في الإسلام الرحمة بالحيوان والإحسان إليه.
  • لكن إذا تحول الحيوان إلى مصدر ضرر حقيقي يهدد الإنسان، جاز قتله.
  • الأدلة من السنة تدل على جواز قتل الكلب العقور حماية للناس.
  • حماية النفس البشرية مقدمة على أي مصلحة أخرى.
  • الرحمة في القتل مطلوبة: أي تجنب التعذيب واستخدام الوسائل السريعة والرحيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى