داء الخيليات “الرعام” (Glanders) في الخيول: تهديد غير شائع ولكنه مميت

في عالم الخيول، قد تكون بعض الأخطار غير مرئية… لكنها فتاكة.
داء الخيليات “الرعام / السقاوة” (Glanders) ليس من الأمراض الشائعة التي تتبادر إلى أذهان المربّين، لكنه يبقى واحدًا من أخطر الأوبئة التي طاردت الخيول منذ العصور القديمة، بل واستُخدم كسلاح بيولوجي في الحروب!

هذا المرض البكتيري القاتل، الذي تسببه بكتيريا Burkholderia mallei، لا يهدد الخيول فقط، بل يُعد من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان (Zoonotic Diseases)، مما يرفع من خطورته إلى مستوى وبائي في حال إهماله.
ومع أن داء الخيليات قد اختفى تقريبًا من العديد من دول العالم المتقدم بفضل أنظمة الرقابة الصحية، إلا أن ظهوره ما زال ممكنًا في عدد من الدول، ومنها دول بالمنطقة العربية، مما يستدعي الوعي الكامل بأعراضه، طرق تشخيصه، والسبل المتاحة للوقاية منه.


ما هو داء الخيليات (Glanders)؟

داء الخيليات هو مرض بكتيري مُعدٍ وخطير يصيب الخيول، الحمير، والبغال، تسببه بكتيريا Burkholderia mallei.

يُعد هذا المرض من أقدم الأمراض المعروفة التي تصيب الخيول، وقد تم وصفه لأول مرة في العصور القديمة، ويتميز بتكوّن تقرحات جلدية، التهابات تنفسية حادة، وإفرازات صديدية من الأنف، كما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في حال عدم تشخيصه مبكرًا.


أنواع المرض وأعراضه

يظهر داء الخيليات في ثلاثة أشكال رئيسية:

1. النوع الأنفي (Nasal Form):

  • إفرازات أنفية صديدية دموية.
  • تشكّل تقرحات داخل فتحات الأنف.
  • تضخم العقد اللمفاوية تحت الفك.

2. النوع الرئوي (Pulmonary Form):

  • سعال متكرر.
  • ضيق في التنفس.
  • التهابات مزمنة في الرئتين.

3. النوع الجلدي (Cutaneous Form) – المعروف بـ “Farcy”:

  • تقرحات على الجلد تظهر على الأرجل والرقبة.
  • تفريغ صديدي من العقد اللمفاوية.
  • انتشار العقيدات على طول الأوعية اللمفاوية.

طرق العدوى وانتشار المرض

ينتقل المرض من خلال:

  • التلامس المباشر مع الحيوانات المصابة.
  • الأدوات الملوثة (مثل معدات التنظيف، أو أدوات الرعاية).
  • الشرب من مياه ملوثة ببكتيريا المرض.
  • دخول البكتيريا من خلال الجروح أو الأغشية المخاطية.

ولأن Burkholderia mallei قابلة للبقاء في الظروف الرطبة لفترات طويلة، فإن بيئة الإسطبلات غير المعقّمة تُعد أرضًا خصبة للعدوى.

يمكن أن تنتقل العدوى أيضًا إلى البشر من خلال الاتصال المباشر مع الحيوانات المصابة أو إفرازاتها.


انتشار داء الخيليات في مصر والمنطقة العربية والعالم

في مصر:

أعلنت مصر في نوفمبر 2020 أنها خالية من داء الخيليات، وذلك وفقًا للمعايير الدولية. تم تحقيق ذلك من خلال برامج مكافحة فعالة ومراقبة دورية للحيوانات.

في المنطقة العربية:

لا تزال بعض الدول في المنطقة العربية تواجه تحديات في مكافحة داء الخيليات. على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن حالات في إيران، مما يشير إلى ضرورة تعزيز برامج المراقبة والوقاية في المنطقة.

على المستوى العالمي:

تم القضاء على داء الخيليات في العديد من الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأستراليا ومعظم دول أوروبا. ومع ذلك، لا يزال المرض مستوطنًا في بعض مناطق آسيا، الشرق الأوسط، وأفريقيا.

يقول د. عبد الرحمن عبد اللطيف، أستاذ علم الأحياء الدقيقة بجامعة القاهرة:
“التشخيص المبكر للحالات، خاصة من النوع الجلدي، يمكن أن يمنع انتشار المرض بنسبة تتجاوز 80%”
(من بحث منشور في المجلة البيطرية العربية، 2020).


هل المرض معدٍ للإنسان؟

نعم، ويُعد خطيرًا جدًا في البشر، حيث يمكن أن يؤدي إلى أعراض مشابهة للسل الرئوي أو حتى الوفاة إذا لم يُعالج.

يعمل الأطباء البيطريون والمربون في أماكن تفشي المرض تحت تدابير وقائية صارمة تشمل:

  • القفازات والكمامات الواقية.
  • تعقيم الأدوات باستمرار.
  • العزل الفوري لأي حيوان يُشتبه في إصابته.

أعراض داء الخيليات في الخيول

تتراوح أعراض داء الخيليات في الخيول من خفيفة إلى شديدة، وتشمل:

  • حمى مفاجئة.
  • فقدان الشهية.
  • خمول وضعف عام.
  • تقرحات في الأنف والفم.
  • إفرازات مخاطية من الأنف.
  • تورم في الغدد اللمفاوية.

في الحالات الشديدة، قد تتطور العدوى إلى تقرحات جلدية وتلف في الأعضاء الداخلية.


التشخيص:

يشمل التشخيص ما يلي:

  • اختبار المالين (Mallein test): اختبار جلدي يُستخدم للكشف عن الاستجابة المناعية للبكتيريا.
  • مزرعة البكتيريا من عينات الإفرازات أو الأنسجة.
  • اختبارات مصلية حديثة مثل ELISA.

العلاج

للأسف، لا يُنصح بعلاج الحيوانات المصابة نظرًا لخطر العدوى وصعوبة القضاء التام على البكتيريا داخل الجسم. ولهذا:

  • تُزال الحيوانات المصابة من القطيع.
  • يُمنع بيعها أو نقلها.
  • في الدول التي تفرض قوانين رقابية صارمة، يتم التخلص الرحيم من الخيول المصابة لحماية القطيع بالكامل.

ولكن إذا كنت طبيب بيطري وتطلب منك تدخلًا بيطريًا فوريًا. فإن العلاج يشمل:

  • استخدام المضادات الحيوية المناسبة.
  • العلاج الداعم بالسوائل والمحاليل الوريدية.
  • دعم وظائف الأعضاء المتأثرة.
  • مراقبة الحالة الصحية بشكل مستمر.

يُفضل بدء العلاج في أقرب وقت ممكن بعد ظهور الأعراض لتحسين فرص الشفاء.


الوقاية والسيطرة

  • العزل: عزل الحيوانات المصابة لمنع انتشار العدوى.
  • النظافة: ضمان نظافة البيئة المحيطة بالخيول وتطهير الأدوات والمعدات.
  • المراقبة: إجراء فحوصات دورية للخيول للكشف المبكر عن العدوى.
  • التوعية: تثقيف العاملين في مجال تربية الخيول حول طرق الوقاية والحد من انتشار المرض.

خاتمة:

داء الخيليات في الخيول هو مرض بكتيري خطير يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية جسيمة إذا لم يتم تشخيصه وعلاجه في الوقت المناسب، ويمكن احتواؤه بالوعي والعلم والرقابة البيطرية الصارمة.

تُعد الوقاية من خلال النظافة العامة والمراقبة الدورية أمرًا بالغ الأهمية للحد من انتشار المرض. ينبغي على المربين والأطباء البيطريين أن يكونوا على دراية بأعراض المرض وطرق الوقاية منه لضمان صحة وسلامة الخيول.


المصدر
Academia : Seroprevalence Study of Glanders in South Part of IraqWorld Organisation for Animal Health. “Self-declaration by Egypt as country historically free from glandersTabriz University. “Glanders re-emerging in few horses in East-Azerbaijan, IranWorld Organisation for Animal Health. “Glanders

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى