الاجترار في الأبقار: رحلة الهضم المعقدة وأسرار المعدة ذات الأربع غرف

من أول نظرة، قد تبدو البقرة حيوانًا بسيطًا يقضي أغلب يومه في الرعي والمضغ. لكنها في الواقع، تحمل في جوفها معملًا هضميًا معقدًا لا مثيل له بين الثدييات.
هل لاحظت يومًا بقرة تستلقي تحت ظل شجرة وهي تمضغ طعامًا يبدو وكأنها أكلته منذ زمن؟ هذه ليست عادة، بل عملية اجترار (Rumination)، وهي واحدة من أكثر العمليات الحيوية أهمية في حياة الأبقار.
الاجترار هو نظام هضمي فريد يمنح الأبقار قدرة مذهلة على تحويل الألياف النباتية القاسية مثل القش والتبن إلى طاقة، عبر أربع غرف معدية تعمل بتناغم تام. في هذا المقال، نأخذك في جولة داخل هذا النظام المدهش، ونكشف أسراره، أهميته الصحية، والعلامات التي تدل على اضطرابه.
ما هو الاجترار؟
الاجترار هو عملية يقوم فيها الحيوان بإعادة الطعام المهضوم جزئيًا من الكرش (rumen) إلى الفم لمضغه مرة ثانية، ثم بلعه مجددًا لإكمال عملية الهضم. وتُعدّ هذه العملية من علامات الصحة الجيدة في الأبقار.
أجزاء المعدة الأربع في الأبقار:
- الكرش (Rumen):
- أكبر غرف المعدة، يتسع لـ150-200 لتر.
- يحتوي على مليارات البكتيريا والميكروبات التي تقوم بتخمير الطعام.
- الشبكية (Reticulum):
- تعمل مع الكرش وتشارك في إعادة الطعام للمضغ.
- تلتقط المواد الغريبة (مثل المسامير)، مما يجعلها عرضة لمتلازمة “المعدة الحديدية”.
- أم التلافيف (Omasum):
- تقوم بامتصاص الماء والمغذيات المتخمرة.
- المنفحة (Abomasum):
- المعدة الحقيقية حيث يبدأ الهضم بالإنزيمات كما في الإنسان.

كيف تتم عملية الاجترار؟
- البقرة تبتلع الطعام بسرعة أثناء الرعي.
- الطعام ينتقل إلى الكرش حيث يبدأ تخميره.
- يتم إرجاع كرات الطعام إلى الفم (Regurgitation).
- يتم مضغها جيدًا ثم ابتلاعها مرة أخرى.
- تمر عبر باقي أجزاء المعدة لاستكمال الهضم وامتصاص العناصر الغذائية.
مدة الاجترار اليومية:
- تمضغ البقرة الطعام حوالي 6-8 ساعات يوميًا على الأقل.
- يُقدّر عدد حركات المضغ بين 40 إلى 70 حركة/كرة طعام.
فوائد الاجترار:
- الهضم الفعّال للألياف المعقدة.
- إنتاج الأحماض الدهنية المتطايرة كمصدر طاقة.
- تحفيز إفراز اللعاب الذي يعدل حموضة الكرش.
- دلالة على صحة الكرش والنشاط الميكروبي الداخلي.
علامات اضطراب الاجترار:
- توقف الاجترار أو قلّته المفاجئة.
- فقدان الشهية.
- انخفاض إنتاج الحليب.
- انتفاخ البطن.
- تغير قوام الروث (إسهال أو صلابة شديدة).
هذه الأعراض قد تدل على إرتفاع حموضة الكرش، التهاب، انسداد، أو سوء تغذية.
نصائح للحفاظ على اجترار سليم:
- تقديم أعلاف خشنة (تبن، قش) مع الأعلاف المركزة.
- تجنب التغير المفاجئ في نوع العلف.
- تقديم العليقة في أوقات منتظمة.
- مراقبة نشاط الاجترار يوميًا (الهدوء التام مع مضغ منتظم هو علامة جيدة).
- توفير بيئة هادئة ونظيفة للحيوانات.
الاجترار ليس فقط سلوكًا، بل هو مؤشر حيوي على صحة الأبقار. مراقبة هذا السلوك يوميًا يتيح للمربين اكتشاف المشكلات مبكرًا، وتقديم الرعاية المناسبة في الوقت المناسب. فالبقرة التي تجتر جيدًا، هي بقرة صحية، منتجة، وسعيدة.