طاعون القطط (Feline Plague): القاتل التاريخي الذي لم يختفِ بعد

عندما نسمع كلمة “الطاعون”، تتجه أذهاننا إلى مشاهد تاريخية مظلمة من أوروبا في العصور الوسطى، حيث انتشر الموت الأسود وأباد ثلث سكان القارة. لكن هل تعلم أن القطط يمكن أن تصاب بنفس هذا المرض؟ بل ويمكن أن تنقله إلى الإنسان؟
نحن هنا لا نتحدث عن مرض خفيف أو موسمي، بل عن مرض بكتيري قاتل، اسمه العلمي Yersinia pestis، ويصيب القطط، ويمكن أن ينتقل منها إلى البشر مسببًا طاعونًا خطيرًا يهدد الحياة إذا لم يُعالج بسرعة.
ما هو طاعون القطط؟
طاعون القطط هو عدوى بكتيرية تسببها Yersinia pestis، وهي بكتيريا سالبة الجرام تنتمي إلى عائلة Enterobacteriaceae. تصيب هذه البكتيريا أساسًا القوارض والبراغيث، لكن في بعض المناطق – خصوصًا في الأماكن الريفية والصحراوية – تُصاب القطط بعدوى الطاعون عندما تصطاد أو تستهلك قوارض موبوءة، أو تتعرض للسعات براغيث ناقلة.
طرق انتقال المرض:
- العدوى من القوارض: القطط بطبيعتها صيّادة، وقد تهاجم جرذانًا أو فئرانًا حاملة للبكتيريا.
- البراغيث: تنقل العدوى من الحيوان المصاب إلى القط أو الإنسان عبر لسعاتها.
- الاتصال المباشر: من خلال ملامسة إفرازات القط المصاب (اللعاب، القيح، المخاط).
- الهواء: في حالة الطاعون الرئوي، قد تنتقل البكتيريا عبر الرذاذ التنفسي، مما يجعلها أكثر فتكًا وخطورة.
أشكال المرض في القطط:
يصيب طاعون القطط الجسم بعدة صور، تختلف في شدتها:
1. الطاعون الدبلي (Bubonic plague):
- الشكل الأكثر شيوعًا.
- يتميز بتضخم العقد اللمفاوية (البلغمات) خاصةً في الرقبة.
- تصاحبه حمى، ضعف، خمول، وألم شديد عند لمس المناطق المتورمة.

2. الطاعون الرئوي (Pneumonic plague):
- أكثر الأشكال عدوى وخطورة.
- يصيب الجهاز التنفسي.
- يتسبب في سعال، إفرازات دموية، ضيق في التنفس.
- قابل للانتقال للإنسان عبر الهواء.
3. الطاعون التسمّمي (Septicemic plague):
- يحدث عند دخول البكتيريا إلى مجرى الدم.
- قد تظهر بقع نزفية تحت الجلد، فشل في الأعضاء، انهيار الدورة الدموية.
- سريع التطور ومميت بنسبة عالية إن لم يُعالج.
أعراض طاعون القطط:
- حرارة مرتفعة مفاجئة.
- تضخم الغدد اللمفاوية.
- خمول شديد.
- فقدان الشهية.
- صعوبة تنفسية.
- نزيفات جلدية.
- قيء أو إسهال دموي في حالات التسمم الدموي.
التشخيص:
يجب على الطبيب البيطري إجراء:
- فحص دم شامل.
- زراعة عينات من العقد اللمفاوية أو الدم أو الإفرازات التنفسية.
- اختبارات PCR لتحديد وجود البكتيريا.
- فحص بالأشعة للصدر في حالة الأعراض التنفسية.
العلاج:
الوقت عامل حاسم!
يجب بدء العلاج خلال أول 24 ساعة من ظهور الأعراض:
- المضادات الحيوية الفعالة (يوصف عن طريق طبيب بيطري)
- العزل الصحي للقطط المصابة لمنع العدوى.
- دعم الحالة العامة بالسوائل، خافضات الحرارة، والتغذية المناسبة.
خطورة المرض على الإنسان:
يُعد طاعون القطط أحد الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان (Zoonotic diseases).
البكتيريا Yersinia pestis إذا انتقلت من القط إلى الإنسان قد تسبب:
- الطاعون الدبلي.
- الطاعون الرئوي (أخطرها).
- تسمم دموي قد يؤدي إلى الوفاة خلال 24-72 ساعة إن لم يُعالج.
تشير الدراسات إلى أن العديد من حالات الطاعون في البشر (خصوصًا في الولايات المتحدة) كانت مرتبطة بالتعامل مع قطط مصابة – خصوصًا من خلال التنفس أو تنظيف إفرازاتها دون حماية.
الوقاية:
- منع القطط من صيد القوارض أو الخروج في المناطق الموبوءة.
- استخدام أدوية وقاية من البراغيث بانتظام.
- الفحص الدوري للقطط خاصة في المناطق الريفية أو بعد السفر.
- عزل أي قطة تظهر عليها أعراض مرضية تنفسية أو حمى مفاجئة.
- في حال الاشتباه: استخدم القفازات والكمامات عند التعامل مع القطة.
معلومة تاريخية:
يُعتقد أن الطاعون الأسود الذي قتل ما يقارب 50 مليون شخص في أوروبا في القرن الرابع عشر نُقل عبر البراغيث الموجودة على الفئران والقطط، مما يؤكد أن القطة ليست فقط معرضة للمرض، بل لعبت دورًا في التاريخ الوبائي للبشرية.
خاتمة:
طاعون القطط مرض قاتل يجب التعامل معه بجدية تامة.
الوعي بالمخاطر، وسرعة التحرك، واستخدام وسائل الوقاية كافية تمامًا لحماية القطط وأصحابها من تهديد هذا المرض التاريخي الذي لم يُمحَ بعد من خريطة الأمراض.