خمس فواسق أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها: الحكمة الإلهية والأخطار الخفية

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«خمسٌ من الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلنَ في الحَرَمِ: الغرابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ».

[صحيح] – [متفق عليه. وفي مسلم “الغراب الأبقع”]
وفي رواية: « يقتل خَمْسٌ فَوَاسِق في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ».
وفي رواية: والحية، وفي رواية أخرى: والسبع العادي، هذه وأشباهها تقتل في الحل والحرم: الغراب، الحدأة، والفأرة، والحية، والعقرب، والكلب العقور، وهكذا السباع: كالذئب، والأسد، والنمر، ونحو ذلك،

حديثٌ شريف صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، بل هو وحي يوحى كما قال الله عز وجل:

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} [النجم: 3-4].

فما الذي جعل هذه الكائنات تُستثنى من تحريم القتل في الحرم الشريف؟
وما الضرر الذي تحمله للإنسان حتى جاءت الشريعة بقتلها؟

في هذا المقال، نكشف لك الحكمة العظيمة من هذا التشريع من خلال الدلائل الشرعية والعلمية والطبية الحديثة، بما لا يدع مجالًا للشك.


أولًا: معنى الفواسق ولماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها؟

الفاسق في اللغة هو الخارج عن حدود الصلاح.
وسميت هذه الحيوانات “فواسق” لأنها تخرج بطبعها عن السلوك الطبيعي إلى الإفساد، والإيذاء، وإلحاق الضرر بالإنسان أو ممتلكاته أو سلامته.

وهنا تتحقق القاعدة الإسلامية الكبرى:
“دفع الضرر مقدّم على جلب المنفعة”
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“لا ضرر ولا ضرار” (حديث حسن رواه مالك في الموطأ وغيره).


ثانيًا: تفصيل الأضرار التي تسببها كل فاسقة من الخمس

1. الغراب الأبقع

الغراب الأبقع “الذي به سواد وبياض”

الأضرار:

الغراب الأبقع، برغم مظهره المألوف وصوته المعروف، يُعد من أخطر الطيور على حياة الإنسان والبيئة. فهو ليس مجرد طائر عابر، بل يحمل في جنباته أخطارًا متعددة جعلت منه أحد “الفواسق الخمس” التي أمر النبي ﷺ بقتلها في الحل والحرم.

1. نشر الأمراض والأوبئة:

  • ناقل للأمراض: الغراب الأبقع يتغذى على الجيف وبقايا الحيوانات النافقة، مما يجعله وسيطًا لنقل العديد من الأمراض للبشر والحيوانات الأخرى.
  • العدوى البكتيرية: يحمل بكتيريا “السالمونيلا” التي تسبب التسمم الغذائي الحاد، والتي يمكن أن تنتقل إلى المحاصيل الزراعية أو مصادر المياه من خلال برازه.
  • فيروس غرب النيل: أكدت دراسات أمريكية أن الغربان كانت ناقلًا رئيسيًا لانتشار هذا الفيروس في أمريكا الشمالية، حيث يموت الغربان المصابون بسرعة، لكنهم خلال فترة مرضهم ينقلون الفيروس إلى البعوض الذي ينقله بدوره للبشر والحيوانات.

2. إتلاف المحاصيل الزراعية:

  • يعتبر الغراب الأبقع من الطيور العدوانية التي تتجمع في أسراب ضخمة وتهاجم الحقول الزراعية، متسببة في تدمير المحاصيل والتسبب بخسائر فادحة للمزارعين.
  • يتغذى على الحبوب والثمار، مما يجعله كابوسًا حقيقيًا للمزارعين.
  • قد يمزق أكياس المحاصيل المخزنة في الأماكن المكشوفة، مما يؤدي إلى إهدار الغذاء وإلحاق خسائر اقتصادية.

3. الاعتداء على الطيور والحيوانات الصغيرة:

  • الغربان الأبقع معروفة بعدوانيتها تجاه الطيور الصغيرة، حيث تهاجم أعشاشها وتأكل بيضها أو صغارها.
  • يمكنها مهاجمة صغار الدجاج والبط، مما يجعلها تهديدًا مباشرًا للثروة الداجنة.

الأمراض التي ينقلها الغراب الأبقع:

الغراب الأبقع ليس مجرد طائر مزعج، بل هو ناقل محتمل لأمراض خطيرة تهدد صحة الإنسان والحيوان:

  1. فيروس غرب النيل: يسبب أعراضًا مشابهة للإنفلونزا وقد يتطور إلى التهاب السحايا أو التهاب الدماغ في الحالات الشديدة.
  2. السالمونيلا: تسبب التسمم الغذائي، وتؤدي إلى آلام في البطن، وحمى، وإسهال حاد.
  3. الليستيريا: قد ينقلها من بقايا الأطعمة الملوثة، وهي بكتيريا تسبب التهابات خطيرة خاصة لدى الحوامل وكبار السن.

الأدلة العلمية:

  • دراسة نشرتها مجلة “Journal of Wildlife Diseases” أكدت أن الغربان الأبقع تعد من أكثر الطيور عرضة للإصابة بفيروس غرب النيل، وأنها ساهمت في انتشار الفيروس بشكل كبير في أمريكا الشمالية.
  • دراسة أخرى أجريت في جامعة “California-Davis” أثبتت أن الغربان التي تتغذى على النفايات أو جيف الحيوانات تحمل نسبة عالية من البكتيريا الممرضة، مما يشكل تهديدًا صحيًا للمناطق السكنية والزراعية.

الحكمة من قتل الغراب الأبقع في الحل والحرم:

أمر النبي ﷺ بقتل الغراب الأبقع في الحل والحرم ليس مجرد تشريع عابر، بل هو حكمة إلهية لحماية صحة الإنسان وحياته، ويمكن توضيح الحكمة في النقاط التالية:

  1. الوقاية من الأوبئة: الغراب الأبقع ناقل للأمراض، وقتله يمنع انتشار الأمراض المعدية.
  2. حماية المحاصيل الزراعية: قتله يقلل من خطر إتلاف المحاصيل الزراعية والثمار.
  3. حماية الطيور والحيوانات الصغيرة: يمنع اعتداءه على الأعشاش وصغار الطيور.
  4. الحفاظ على النظافة العامة: من خلال منعه من نثر القمامة والبحث في النفايات.

ماذا نفعل إذا رأينا غرابًا أبقعًا؟

  • التعامل بحذر: يجب عدم الاقتراب منه أو محاولة الإمساك به مباشرة، خاصة إذا كان مريضًا أو ميتًا.
  • تنظيف المناطق الزراعية والحدائق: لمنع الغربان من إيجاد مصادر غذاء جذابة.
  • التخلص من النفايات بشكل آمن: لتقليل وجود الغربان في المناطق السكنية.
  • اللجوء إلى الهيئات البيطرية أو الصحية: إذا وُجد انتشار للغربان الأبقع في المناطق السكنية بشكل يهدد الصحة العامة.

الغراب الأبقع في التراث العربي والإسلامي:

  • ارتبط الغراب في التراث العربي بالشؤم والفراق، واشتهر عند العرب بكونه رمزًا للخراب والموت.
  • في القرآن الكريم، ذكر الله قصة الغراب في قصة ابني آدم، حيث علّم أحدهما كيف يدفن أخاه بعد قتله: {فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ} [المائدة: 31].
  • قال ابن القيم في كتابه “زاد المعاد”: “الغربان الأبقع أُمر بقتله لما فيه من ضررٍ وإفسادٍ، ولما له من طبيعةٍ خبيثة تؤذي الإنسان ومصالحه”.

الغراب الأبقع بين الرحمة والخطر

الغراب الأبقع، برغم كونه طائرًا يعيش بيننا، يحمل في طياته أخطارًا جمة، سواء على صحة الإنسان أو على الثروة الزراعية والحيوانية. ومن حكمة الإسلام أن شرع قتله لدفع الضرر وحماية الصحة العامة، مؤكدًا قاعدة “دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة”.

في ظل هذا التشريع النبوي، نرى كيف أن الإسلام بمنهجه الحكيم يوازن بين حماية الحياة الإنسانية واحترام النظام الطبيعي.


1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى